
اختتام دورة تدريبية لأبطال تُحمى بصمت، وحكاية اليد التي لا تُرى بهيئة مستشفى الثورة بالحديدة :
[المركز الإعلامي بالهيئة]
في زمنٍ أصبح فيه الظهور غاية، والعمل الصامت مجرّد ظل، تظل هناك قوى تصنع الفرق دون أن ترفع صوتًا، تمارس عظمتها في الهامش، وتزرع الأمل في زوايا لا تراها الكاميرات. هناك تعيش اليد التي لا تُرى، يدٌ تلتقط الخطر قبل أن يُعلن عن نفسه، وتحرس الحياة دون انتظارٍ لمجدٍ أو شكر.

في هيئة مستشفى الثورة بالحديدة، حيث يمتزج النبض الإنساني بندرة الإمكانيات، ويتداخل الألم بالإصرار، انطلقت دورةٌ تدريبية تحمل في طياتها رؤية جديدة. لم تكن مجرد دروس تُلقَى، بل محاولة صادقة لإيقاظ الوعي، وتوسيع مفهوم العمل من مجرد مهمة إلى رسالة.

اجتمع 180 بطلًا في دورةٍ تخطّت حدود الزمان والمكان؛ جاؤوا من ممرات مختلفة، لكنهم التقوا على أرضٍ واحدة تجمعهم مسؤولية إنسانية نبيلة. في هذه الساحة، يُختبر الصدق في العمل لا بالكلمات، بل باليقظة في التفاصيل الصغيرة، تلك التي قد تنقذ حياة.

لم تكن الدورة عن إدارة النفايات الطبية فقط، بل كانت بحثًا في جوهر مهنة كثيرًا ما أُسيء فهمها. كانت دعوة للتأمل في معنى الحماية، والنظر إلى كل خطوة يؤديها العامل على أنها درع خفي بين الخطر والإنسان.
محاضرات الدكتورة سارة صبري لم تكن تعليمًا تقليديًا؛ بل كانت شرارةً أيقظت وعيًا نائمًا، وأعادت إحياء الضمير الذي غفلت عنه العادة.
وعندما انتقل المشاركون إلى التطبيق العملي، لم يكن الأمر مجرّد تدريب، بل اختبار للوجدان: هل يستطيع البطل أن يتصرّف بما يليق بالمعرفة التي تلقّاها؟ هل يدرك أن الوقاية تبدأ من الانتباه وتنتهي بالرحمة؟
تحوّلت أقسام ومراكز الهيئة إلى مشهدٍ حيّ، يُمارَس فيه العمل لا كواجب فحسب، بل كالتزامٍ أخلاقيٍّ تجاه من لا يراهم، ولا يعرفهم، لكنه مسؤول عنهم.
في ختام الدورة، أكّد الدكتور خالد أحمد سهيل، رئيس الهيئة، أن ما جرى ليس مجرّد مرحلة، بل لبنة في بناء رؤية تسعى الهيئة لترسيخها، تجعل من العمل الصامت أساسًا للبقاء، ومن العامل حارسًا أمينًا، لا يُعرَف بالاسم، بل بالأثر.
وقال إن الهيئة ستواصل هذا النهج، لأن حماية الأرواح لا تبدأ من غرفة العمليات، بل من اللحظة التي يقرر فيها أحدهم أن يتحمّل عبء ما لا يراه الآخرون.
وأعربت المدربات الدكتورة سارة صبري و الدكتورة وردة المحويتي و الدكتورة وفاء الفقيه أخصائيات الصحة العامة عن فخرهنّ بالتفاعل الكبير من المشاركين، وبالتحوّل الذي لمسنه في وعيهم تجاه مسؤولياتهم اليومية. فقد كانت الدورة، في جوهرها، تجربةً إنسانيةً ترتقي من التعليم إلى الإلهام.
وفي ختام المشهد، لم تكن الدورة مجرّد حدثٍ تدريبي، بل لحظة تأسيس لثقافة جديدة، تعيد الاعتبار للعمل الخفي، وتمنح البطولة لمن يعمل دون أن يُرى، لتبقى الهيئة حيّة، وتبقى الحياة ممكنة، في وجه الموت الذي يمرّ يوميًا من أبوابها دون أن يراه أحد.